هل تنذر “أزمة الخبز” في السودان بثورة ضد الحكومة الانتقالية؟ (تقرير)

السودان، 18 فبراير // ان ان ان – الأناضول //– غير بعيد عن ذاكرة الشارع السوداني أن أزمة الخبز كانت المحرك الأساسي لثورة ديسمبر والتي كانت سبباً في تغيير نظام حكم البشير بعد ثلاثين عاما من انفراده بالحكم (1989-2019).

وأشعل الخبز ثورة شعبية سودانية اندلعت شرارتها الأولى من مدينتي الدمازين (جنوب) وعطبرة (شمال) في ديسمبر/كانون أول 2018، بعد إختفاء السلعة من المدنيتين لفترة أسبوع.

وخرجت الاحتجاجات الشعبية التي امتدت إلى كل المدن السودانية، وتكللت بسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير بعد عزله من قبل الجيش في إبريل/نيسان الماضي.

وأزمة الخبز هي إحدى تجليات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان على خلفية فقدان إحتياطياته من النقد الأجنبي بعد إنفصال جنوب السودان عام 2011 وما خلّفه من حرمان السودان من الموارد النفطية التي كانت تساوي 80% من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

ولم تستطع الحكومة الانتقالية حتى الآن، إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي لاتبارح مكانها وتتجدد بين فترة وأخرى بسبب عجز البلاد عن توفير موارد كافية لاستيراد القمح.

ودعا رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في وقت سابق، إلى “تكاتف الجميع لتجاوز التحديات التي تمر بها البلاد”.

وقال في تدوينة عبر صفحته الرسمية في “فيسبوك” إن حكومة الفترة الانتقالية، تدرك تماما حجم التحديات التي تمر بها البلاد، لا سيما الأزمات الماثلة أمامنا، وتسعى لإيجاد حلول جذرية لها.

ويعاني السودان حاليا، من تصاعد أزمة الخبز في السوق المحلية، لعدم استيراد الكميات اللازمة من القمح بسبب قلة النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، وتلاعب في حصص بعض المحافظات، وتهريب القمح لأسواق دولية مجاورة بحسب المسؤولين الحكوميين.


موارد ضخمة والأزمة مستمرة

ورغم توفر موارده الزراعية لا يستطيع السودان الاكتفاء من سلعة القمح لأسباب عديدة من بينها عدم مواءمة المناخ لزراعته إلا في شهور معينة من السنة، لاحتياج المحصول إلى أجواء باردة، بالإضافة إلى عزوف المزارعين عن زراعته لارتفاع تكلفته ومحدودية عائداته.

وتلزم الحكومة السودانية المزارعين ببيع محصول القمح لصالح المخزون الاستراتيجي عبر أسعار تركيزية يعتبرها المزارعون ضعيفة ولا تتناسب مع تكلفة الإنتاج.

وبحسب إحصائيات حكومية فإن إستهلاك البلاد من القمح يقدر بنحو 2.400 مليون طن فيما لايتجاوز الإنتاج المحلي منه 350 الف طن.

ويعيش السودان هذه الأيام أزمة خانقة في الخبز والوقود تجلت في إصطفاف عدد كبير من المواطنين أمام المخابز لساعات طويلة فيما أغلقت عدد كبير من المخابز أبوابها بسبب عدم توفر الدقيق.

وكشفت ورقة صادرة من وزارة التجارة والصناعة السودانية أن عدد المخابز بالبلاد يصل إلى 13.760 الف مخبز.

استمرار الأزمة.. “فضيحة القرن”

وأعتذر وزير الصناعة والتجارة السوداني، مدني عباس مدني، في مؤتمر صحفي الأربعاء، عن عجز الحكومة حل الأزمة كما وعدت، واصفاً استمرارها بـ “فضيحة القرن”.

وحدد مسببات الأزمة بعدة أسباب منها عدم توفر القمح وضعف الرقابة على السلعةد المدعومة مما يؤدي إلى تسريبها وتهريبها خارج المنظومة.

وأكد الوزير السوداني على أن الدولة ستظل ملتزمة بدعم الخبز، قائلا “هذا الالتزام لا رجعة عنه على الرغم من ظروف الدولة الاقتصادية”.

وتدعم الحكومة السودانية الدقيق بقيمة 1650 جنيها (32 دولار) عن كل 50 كيلوغرام.

ويستورد السودان سنويا قمح بقيمة 1.144 مليار دولار وفقا لإحصائيات رسمية.

وأعلن مدني عن إجراءات وحلول لحل الأزمة الحالية من بينها عقوبات تفرض على وكلاء الدقيق الذي يقع على عاتقهم توزيع الدقيق من المطاحن إلى المخابز وأصحاب المخابز الذي يستلمون حصة الدقيق ويسربونها إلى الأسواق غير الرسمية وطرح خبز تجاري لاستخدمات المطاعم والفنادق بأسعار غير مدعومة.

احتجاجات الخبز تعود

خلال الأيام الماضية شهدت مناطق متفرقة من البلاد إحتجاجات على انعدام الخبز وعدم توفره في المخابز في ظل تخوفات بقيام ثورة ضد الحكومة الانتقالية.

ولأجل ذلك عقد مجلس الدفاع والأمن إجتماعاً طارئاً الإثنين الماضي، بحث فيه اتخاذ التدابير اللازمة لنزع فتيل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وذلك عقب وصول الاحتجاجات إلى العاصمة الخرطوم تنديدا بانعدام الخبز والوقود.

و يترأس عبد الفتاح البرهان (رئيس مجلس السيادة) مجلس الدفاع والأمن، ويضم في عضويته كل أعضاء مجلس السيادة، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والقائد العام للقوات المسلحة، وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والمالية والتخطيط الاقتصادي.

ورأى محللون أن خطوة اجتماع مجلس الأمن والدفاع قد تكون مؤشراً على تخوف من أن تزداد الاحتجاجات الشعبية، مكررة مشاهد ثورة ديسمبر.

إلا أن الأمين العام لحماية المستهلك، ياسر مرغني رأى أن الحكومة الانتقالية تسعى بشكل جاد نحو حل الأزمة عن طريق حلول مبتكرة وعبقرية.

وقال مرغني في تصريح لـ الأناضول إن خطوة طرح خبز تجاري ستعمل على تخفيف الضغط عن الخبز المدعوم وعلى مستحقي الدعم.

واستبعد أن تساهم أزمة الخبز الحالية في قيام ثورة مضادة لجهة أن “هناك تفويض من غالبية الشعب السوداني للحكومة الانتقالية لعبور التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد”.

ورهن نجاح الحلول المطروعة بتنفيذ قوانين رادعة في حق المتلاعبين بسلعة الخبز عبر إغلاق المخابز غير الملتزمة بالعمل وسحب حصص الدقيق منها.

وطالب مرغني القوات النظامية بتكثيف العمل في مراقبة سلعة الدقيق تجنبا لتهريبها خارج البلاد للاستفادة من إنخفاض اسعارها.

في المقابل برر مصدر بأحد المطاحن العاملة للبلاد- غير مخول له بالحديث مع الإعلام- تجدد أزمة الخبز بسبب عوامل متشابكه.

وقال لـ الأناضول “عندما يتوفر القمح تكون هناك أزمة وقود يصعب معها ترحيل القمح من الميناء إلى بقية الولايات مما يؤثر على انسياب القمح”.

وأوضح أن هناك بطءا في اتخاذ القرارات من جانب الحكومة في موضوع تكلفة الدقيق والخبز وعدم تفهم الدولة للتطورات فيما يخص سعر الصرف الذي يشكل أكبر عقبة لتجاوز الأزمة.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي سجل الدولار هبوطا قياسيا أمام الدولار بعدما وصل سعره في الأسواق الموازية إلى أكثر من 100 جنيه للدولار الواحد.

وشكا المصدر من تساهل الحكومة مع المطاحن غير الملتزمة بالحصص المتفق عليها مما يؤثر في توزيع الكمية اليومية للدقيق والتي تقدر ب 100 ألف “شوال” زنة 50 كيلوغرام.

وتعتمد الحكومة السودانية على خمس مطاحن لطحن الدقيق تتبع جميعها للقطاع الخاص.

ويظل السؤال المطروح في الساحة السودانية، حول نجاعة الحلول التي ستقدمها الحكومة الانتقالية للخروج من مشكلاتها الاقتصادية المزمنة وعلى رأسها أزمة الخبز، وإذا ما كانت ستقيها غضب الشارع.

شبكة أنباء عدم الإنحياز – س.ج

Related Articles